وسام الفريجي يرحب بكم في موقعه الرسمي

شات

قصص صغيرة

عادت من هناك متورمة القدمين


عادت من هناك متورمة القدمين
وضعت رأسها على الوسادة مطمأنة بأنها فعلت ما عليها
تجاه زينب ع ٠
كانت متعبة جداً لكن روحها لا تشعر بغير العافية والسرور وكأنها شربت كوباً من السعادة ٠
غطت في نومٍ عميق وعلا شخيرها،، 
هي لا تعرف شرق اوسط ولا صحة عالمية
شرقها او شروق شمسها انها استطاعت الجلوس لعشر دقائق بين الحسين والعباس ٠٠٠صحتها او تمام صحتها حباية براسيتول من احد مواكب الخدمة ٠
هي اخت هارون الشيعية التي هزت شباك الضريح فتساقط عليها الشرف جنياا٠٠
الشيعية خط احمر وتاج راس ولد المضغوطة ٠




يوماً ما كنت في مقبرة النجف 


يوماً ما كنت في مقبرة النجف ولا أخفيكم سراً بأنني اكره القبور ولا أزورها الا اضطراراً وحين يسألني بعضهم لما لا تزور الموتى ؟
أجيبهم : ولما لا يزوروني هم !
جيء بنعش اخوين شابين قتلواافي تفجير ارهابي ٠٠
كلاهما متزوج حضرت دفنهم الام والزوجتين ٠٠
حاولت ان أهرب من مشهد الدفن واضع الطين والعجين في اذنّيّ الاثنتين لكي لا اسمع نواعي امهم  ٠٠ لم يحضر الكثير من الرجال فوجدت نفسي أشاركهم مراسم الدفن والمساعدة في مواراة جسدين ممزقين مغلفين بالكفن ومن تحته النايلون في حفرة من الرمل حفرها احد ال ابو اصيبع ببراعة ٠
الزوجتين كانتا لا تزالان بثياب ملونة تحت العباءة لم يتح لهن الوقت استبدالها بأسود كلون المستقبل ٠
 حين هممنا بأنزالهم الى القبور صرخت الام : امشي عليكم علي تانونا ( انتظرونا ) خلي نسوانهم يسولفن وياهم ٠
 الكل كان مستعجل والدفان يحثهم على الاستخفاف بطلب الام وفي مخيلته جثث اخرى ممزقة في الطريق الى ان تتحول لنقود اخرى في جيب دشداشته المعفنة٠
 انا الغريب الوحيد بينهم ولا سلطة لي على تأجيل الامر كوني مجرد " فزاع " يستلم اجرته وهي عبارة عن رحم الله والديك !
لكنني وجدت نفسي وبلا شعور اصرخ بهم بلهجة أمرة : خلوهن يودعنهم تلحگون عالكباب !
غادرتهم ولم تتح لي فرصة سماع سوالف ام وزوجتين وجسدين يتهيئان للقفز الى الآخرة  ٠
سيف كريم يصيد الأوجاع ويحرگ بدمي)


استحي منك يا صغيري 

صورتك في هاتفي منذ سنة تقريباً ٠٠٠حاولت مراراً الهرب من عينيك الدامعتين ٠
 لم تشغلني صورة ابيك الشاب الراحل بقدر لوعتي وانا أغوص في عمق قلبك الصغير وأتخيل حجم وجعك٠٠ قلبك اصغر من ان تهاجمه اشباح الخوف وفقد الركن الأساس في حياتك ومستقبلك واحلامك ودلالك ٠
 انا لست يتيم يا صغيري ولي والد حي يرزق فارقته منذ فترة بسيطة حين أخذتني ما يسمونها سنة الحياة في الاستقلال عنه في بيت اخر ٠٠ لكنني وحقك كلما زرته وتلقتني عينيه الذابلتين اشعر بفرح من يمتطي المرجوحة وهي تطير فيه عالياً بعلو لذة الحب ودغدغة الطمأنينة والامان ٠٠ سنتين او ثلاث تفصلني عن سن الاربعين لكن وجود والدي في حياتي يشعرني وكأنني لازلت ذلك الطفل العابث ابن العشر سنين الذي لا يدري بالدنيا طشت ام رشت ٠
 كل تلك الأحاسيس اقارنها وانا هارب من عينيك حين ينادون بأسمك في المدرسة مقروناً بأسم ابيك "صفاء " متخيلاً غصتك وهم ينادون فلان ابن صفاء رافعاً إصبعك الصغير : نعم انا حاظر لكن والدي ليس كذلك !!

قالوا له :
اشهد ان علي ولي الله "زائدة هي من المستحبات وبالامكان رفعها من أذان الصلاة٠٠
قال لهم :
انا ابحث عن مكان لكي أضيف فيه "اشهد ان العباس غيرة الله 
"
تأملوا هذه الصورة ٠٠اقرأوها
ركزوا في كوفيته السومرية التي تحاكي شبكة صيد الأسماك في أهوار الجنوب ٠
تأملوا رسم اصابع يديه التي بذرت الحنطة على ضفاف المشرح ونهر البتيرة٠٠٠ تخيلوا جبينه المختوم بتربة الحسين وهو ينضح عرقاً ايام شتال الشلب وحصاد العنبر ٠٠
 اقرأوا شفتيه وهما يتمتمان تكبيرة الإحرام بنفس الصوت الذي كان يدندن فيه ترانيم الوجع السومري وهو يدفع المردي وزورقه يشق مياه نهر المعيّل٠
 لا تقرأوا ولا اريد لكم ان تبحروا في عينيه الذابلتين ولا أتمنى لكم ان تتخيلوا ما رأته عينيه طيلة عقود من الظلم والاستبداد ( هو الذي رأى ) لا گلگامش كما يتصور البعض٠
 هو الذي رأى أولاده الصغار عباس وعبدالزهرة يكبرون مع سنابل الحنطة لتحصدهم مناجل الحرب والسجون والمشانق٠
 هو الذي رأى بناته الصغار فاطمة وصبرية وبزر الگعدة أمل وهن يبيعن الرشاد والريحان والكرفس في سوق عريبة بمدينة الثورة بعد ان فقدن الاخوة وعجز هو عن العمل كفراش يكنس ويقدم الشاي لمن قتل عباس وعبدالزهرة في احدى الدوائر الحكومية ٠
هو الذي رأى من وصل الى السلطة بدموعه ودعائه ودماء ابنائه ليتنكر له ويستنكف منه٠
 هو الذي رأى ان المرقط يليق به فأرتداه لكي تزغرد أمل ويفتخر بكرها عباس بين زملائه في الجامعة ويقول :
اشهد ان العباس غيرة الله
اشهد ان جدي أسطورة وصورته موناليزا معاصرة
حيرت النقاد في كونها حزينة ولكنها تبتسمم٠


جلس الجد يحدث حفيده الصغير بعد ان نفث دخان غليونه ثم سعل وبصق جانباً

لك النصيحة فالحياة قصيرة بمقدار نفخ دخان غليون جدك الهرِم :
ان الرجل الصالح هو من يرسم حول نفسه دائرة صغيرة تضم
عائلته فقط يكد ويسعى لسعادتهم٠
و الرجل الاصلح هو الذي يحيط نفسه بدائرة أوسع تضم جيرانه وأصدقائه كذلك٠
اما الرجل العظيم فهو ذلك الذي تتسع دائرته كل يوم ٠
الاصلح والأعظم هو ذلك الرجل الذي يهتم بدائرة صغيرة جداً ويكلف ميزانية الدولة ٥٩٩ مليون دينار من اجل إصلاحها !!!


قبعة

استيقظ صباحاً خرج من بيته على عجل زج بنفسه في اول كيا صادفته٠٠ لم تعجبه اللطمية التي كان يصدح بها راديو السيارة٠
 تلصص قليلاً بنظرات مرتبكة الى الموظفة السمينة التي جلست قبالته وعلى وجهها أصباغ زينة احالتها الى ما يشبه بهلوانات السيرك ٠
نازل نازل
 تمشى قليلاً حتى صادفته عربة لبيع الملابس المستعملة والبائع يصدح بسعر بضاعته الضئيل ، تذكر فجأة بأنه بحاجة الى قبعة تغطي صلعته من حرارة الصيف اللاهب وبرد الچلة في الشتاء ٠
 بحوش قليلاً فوجد ضالته قبعة يبدو انها ازهد مافي العربة حتى ان الصبي البائع كاد ان يتبرمك ويعطيها له بالمجان الا انه استدرك وطلب سعراً بخساً قريب من سعر اي عراقي في بورصة شوارع بغداد ٠
دفع للبائع سعرها وتوارى في الزحام ٠٠٠وضع قبعته على رأسه وضحك من نفسه في سره متخيلاً النكات التي سيمطره بها زملاء العمل
 مر قريباً من المقهى الذي يتناول به الشاي فتفاجأ من عدم انتباه ابو سعدية الچايچي وعدم فضحه كل يوم بالمطالبة بثمن الچايات المتراكمة٠
دخل الى استعلامات دائرته فلم يكترث به احقر موظف مسؤول عن سجل التواقيع الصباحية ٠٠٠شكر الله في سره ان جنبه نقنقة ذلك التافه المنتفخ الذي يحظى بأرقام كل الموظفات ( المو راحة )في الدائرة مقابل تغاضيه عن تأخرهن الصباحي وخروجهن المبكر ٠
 صادفه اكثر من زميل ولم يكلف احدهم نفسه قول صباح الخير وكأنه ليس موجود، غمغم مع نفسه ( بعد احسن خفةً وراحة )
 دخل غرفة عمله التي تجمعه بجوق من العطلات الذين لا يجيدون غير التهام طاوة من البيض والطماطة والبصل من صباحيات رب العالمين لتختلط رائحة البصل بدخان السكائر برائحة جواريب مزمنه في هذا المكان ٠
 ومن ثم يبتدأ حديث السلفة ومن هو سعيد او سعيدة الحظ الذي سيستلمها هذا الشهر ،، وبعدها يبدأ حديث الفضائح ومن هي سيئة الحظ التي ظفروا بها في المصعد مع زميلٍ لها وهما في وضع مريب٠
دخل دون ان يسلم على احد وانزوى على مكتبه المليء ببقايا الطعام وطفأ السكائر رغم انه لا يدخن٠
 مرت الساعات ولم ينتبه له احد حتى انهم لم يجاملوه كالعادة لتناول وجبتهم الصباحية ولم يكلفوه بأي عمل روتيني من واجبات وظيفته التعيسة ٠
وزاد استغرابه ان قبعته لم تتلقى اي سخرية ٠٠ فجأة بعد ان تثائبت سعاد بنت اخو سائق المدير العام :
اگول اشو هذا ابو خنيس ماكو اليوم ؟ شنو هذا مجاز لو غايب؟
تصدى للجواب فوراً احد الزواحف : لو مات لو اخذته النومة ٠
اتبعها بضحكة غبية شاركته اياها سعاد خاتون التي ثلث اسنانها اصطناعية٠
 نط ابو محمد المُلا من مكانه : اخواني هذا اذا مات عدل وگبل لجهنم لأن ولا مرة شفته گام توضأ وذكر الله ٠
فوزية ام غسق : لكم والله خبلتوه لهالمسكين هاي لان فقير وبحاله خابروه شوفو شبيه ٠
 فرك عينيه غير مصدق ما يرى ويسمع في هذه المسرحية وكاد ان يصرخ بهم لكن خطرت في ذهنه فكرة مجنونة فتلمس قبعته ٠٠دس يده في احدى الحقائب النسوية باحثاً عن مرآة ليتأكد من فكرته ،، نظر الى المرآة مطولاً فلم يرى احد ٠





السمكة الضحاكة




السمكة الضحاكة
كنّا ثلاثة نرتجف برداً،، لم تجد امي شيئاً تدفئنا به في ذلك الكوخ٠٠الححنا عليها واسناننا تصطك:
- يمة بردانين ٠
كانت تلهينا بقراءة الحكايات علها تدفئنا٠
- كان يا ما كان في قديم الزمان سمكة ضحاكة وصفها العرافون لشفاء الملك من داء الم به ٠٠٠ فتوجه الامير محمد ابن الملك الوحيد بسفينته يجوب البحار يصارع العواصف والأمواج ولم يبق معه من البحَّارة الاوفياء بعد ان هلكوا في تلك المغامرة الخطيرة سوى حسن ابن مكية الخبازة قاريء النجوم وصانع الخبز المحمص بعد ان تعلم ذلك من صنعة امه الأرملة ،،اذ لم يبق غير الخبز ليقتاتوا منه هو والأمير محمد٠
 وذات ليلة هدأ البحر وسكنت أمواجه وراح يغازل ضوء النجوم فأخرجوا شباك صيدهم فسمعوا منها صوت ضحك٠٠ كانت سمكة صغيرة تضحك !
ضحكنا نغالب النعاس وقد بدأ الدفء يدب في اجسادنا الصغيرة٠
- يمة وين اكو سمچة تضحك ؟
 تهللت اسارير الامير محمد: وأخيراً وجدت شفاء والدي،، اخرجها من الشبكة وتلمس خنجره ليشق بطنها ويرشه بالملح،، لكنها لا زالت تضحك تأملها محمد فأشفق عليها ورفعها بكلتا يديه ثم رماها في البحر٠
- يمة دفيتو لو بعدكم بردانين ؟
 كنّا نغط حينها بنوم عميق بعد ان وضعت غطائها علينا نحن الثلاثة وبقيت هي بلا قصص ولا حكايات ولا غطاء وأسنانها تصطك ٠




بائعة العلكة



بائعة العلكة
تيشيرت اصفر طُرِز على وسطه ساعة توقفت لا تريد مغادرة
اللحظة التي ارادها لها المطرز٠ كُتب تحتها كلمة Love
حب التي يعرفها حتى من رسب في مادة الإنكليزي طوال عمره ٠
 تيشيرت وبجامة بلون وردي غامق ونعل اصفر يحمل قدمين صغيرتين بأصابع ناعمة وأظافر تساقط عنها طلاءها وبقي منه القليل ٠
 قدمين سمراوين شققهما البرد والمشگ ملطخين بسخام اسود ك لون الفقر والحرمان والصبغة التي يطلي بها السياسي ورجل الدين وشعراءالقصائد الصالحة لمسح المخاط ما بقي من شعر على صلعاتهم المنتفخة بالوهم والعافية٠
ذلك هو ما ترتديه بائعة العلچ الصغيرة التي صادفته يوماً وهو يصعد عبارة مرسى شارع المتنبي  ٠٠ كان هناك لشراء ديوان الجواهري ومروج الذهب للمسعودي والغريب لألبير كامو وساعة بغداد لكاتبة جميلة بعينين واسعتين يزدحم حلمها بالبقر والدراجات الهوائية !
 دس يده الى جيب معطفه واخرج عملة ورقية تكفي لشراء كاسة لبلبي فأقتربت منه بخفة قطة تعودت القفز وتسلق الجدران بمخالبها الصغيرة ٠
- تفضل عمو تشتري علچ ؟
- اي ٠
 تناول قطعة واحدة وترك لها باقي العملة الورقية ،، تحسس جبهته وهي تنز بعرق بارد ،، ارتبك مسح جبينه وسارع لالتهام العلكة التي كانت حلوة كلون عينيها الخائفتين،، مضغها فشعر وكأن ريقه بئر لا ينبع فيه سوى سائل بطعم الخرا ٠
اكتفى بمراقبتها وهي تتنقل من كرسي الى اخر وهي تعرض بضاعتها ٠٠ثم راقبها وهي تتحايل على الشرطي وسائق العبارة وتختبئ منهم بين الزبائن لكي تبقى وتحظى بجولة ترفيهية مجانية٠انطلقت العبارة تخب فوق مياه دجلة على أنغام الدي جي وأغنية وطنية تصدح في ارجاءها صاغها ملحنها على إيقاع سريع راقص تهتز لها اكتاف وعجيزة بعض راكبي العبارة الشباب والأطفال بشكل علني اما كبار السن فقد منعهم العيب وتصنع الوقار فقط ٠
 تراخت يديه القابضتين على الكيس البلاستيكي الذي يضم ديوانه ومروجه وغريبه وساعة السودة والمصخمة وهو يشاهدها تقفز وترقص وتغني بمرح طفولي غامر مرددةً كلمات الاغنية الوطنية٠٠
نسيت انها بائعة علك ببيجامة وردية متسخة وتيشيرت بساعة متوقفة وفي عبارة ونهر ووطن بلا  Love ٠
 نسيت كل ذلك وتذكرت انها طفلة فقط راقها إيقاع الموسيقى الصاخب لتقفز بقدمين سمراوين ينتعلان نعلٍ اصفر ٠


الحارسة

الحارسة
اقتربت خامرها التردد والخجل ،، اخذت تقدم رجل وتؤخر الاخرى لكنها حسمت امرها واتجهت نحو الشرطي المكلف بحماية الكنيسة٠٠
- تفضلي يمة٠
- يا بعد امك واهلها يحفظك الكاظم اگلك هاي الكنيسة مفتحة لو معزلة؟
- لا يمة مفتوحة تفضلي بس اعذريني خلي الحارسة تفتشج ٠
 توجهت نحو الحارسة كانت شابة مسلمة تطوعت لحراسة الكنيسة وتفتيش النساء الداخلات مقابل اجر زهيد تتلقاه كمعونة أو هدية من القسيس او الأب توما٠٠سلمت وأخرجت الاناء الذي تحت عباءتها ورفعت ذراعيها كمن يستعد للتحليق
والطيران عالياً ٠٠
 كانت الكنيسة خالية وهي تدخل لأول مرة لمثل هكذا مكان،، بحثت عن شباك او ضريح تطوف حوله وتتوسل به او تشد فيه طرف عبائتها طلباً للمراد وقضاء الحاجة٠
 لكنها لم تشاهد سوى صفوف من المصطبات المرصوفة على جانبي القاعة الكبيرة التي يتوسطها تمثال متوسط الحجم لرجل مصلوب مسبلاً قدميه على لوح وفي عينيه بقايا وجع٠
 وفي طرف اخر من القاعة تمثال لأم ناصعة البياض تحتضن طفل ورث بياضها وصفاء عينيها ووجع ذلك الرجل المصلوب، اقتربت منهم اخرجت وعاء الحناء ولطخت كفها به ثم راحت تمرر أصابعها الملطخة فوق قدمي الام وطفلها وهي تتمتم بالدعاء ٠٠
انتي مرة واني مرة٠٠٠ انتي أم واني أم ٠٠ اجيت لأن ادري الام تفهم وتحس بگلب الام٠
يا مريم يا عذراء ٠٠٠ هو بس هالواحد على كومة بنات٠٠٠ طلع الفجر لمسطر العمال وما رجع وداعتج يالعذرا من يوم راح وكل أيامنا صارت ليل ما وراها فجر ٠
كفكفت دموعها بطرف عباءتها بعد ان سمعت بكاء مريم ٠٠٠ لم تكن تحلم هي متأكدة بأنها سمعت نشيج بكاء امرأة ،، تطلعت في ارجاء الكنيسة لم تَر احد غير العذراء وطفلها ناصع البياض وأصابع قدميه الصغيرتين الملطختين بالحناء ٠قَبّلت تلك العينين اللتين تشبهان عيني الرجل المصلوب واعترى قلبها فرح عارم كادت ان تزغرد له لكنها تذكرت انها في دار عبادة٠٠ تأكد لها بأن دعائها وصل الى قلب تلك الأم وأنها لم تكن مخطأة حين واتتها فكرة التوسل بأنثى مثلها بعد ان يأست وهي تدعو الالهة الذكور ٠٠٠ خرجت والبشرى تطفح على محياها وهي تردد بهيستيريا
مشكورة يا مريم ما قصرتي يا العذرا٠
استغرب الشرطي من تصرف تلك العجوز غريبة الاطوار ملتفتاً الى زميلته الحارسة متسائلاً:
- شكو ؟
إجابته زميلته محمرة العينين :
- هي أُم  ٠


مذكرات حائط( الجزء الاول)
مذكرات حائط
انا من مواليد١٩٧٠ رغم اني لا املك بطاقة الجنسية لكنني هكذا سمعت من ابو قاسم الخلفة وهو يتحدث مع احدهم عن هذه السنة ٠
 في لحظة طلق الولادة العسير حين ولدت على يدي ذلك البناء العجوز تخيلت انه والدي وهو يدستر بخيطه ممسكاً الفأس والچمچة ويغطي جسدي بالاسمنت ،،ثم البسني ثوباً ابيض مزركش ببعض الخطوط الصغيرة رسمها صباغ شاب يعمل مساعداً له ، ذلك الصّباغ يسكن خلف باب وحائط زميل مقابل لي ٠ هو جاري ثم صار صاحبي فيما بعد فهو يبتسم لي ويقبل وجهي كل ليلة حتى جاء يوم قبلني وبكى بكاء مر تفطرت له احدى طابوقاتي وتقفع ما عليها من لبخ ٠
 حاولت احتضانه وكفكفت دمع عينيه رغم انني كنت اقصر منه ، فقد غدا رجلاً طويل بشاربين كثين ولم يعد ذلك الصبي الذي أمسك الفرشاة وغمسها في علبة الأصباغ ليزركش ثوبي بأيعاز من أستاذه ابو قاسم ٠
 كنت اقصر منه ولا زلت اقصر حيطان البيوت المجاورة بعد ان ازال الناس زملائي الحيطان الهرمة واستبدلوها بأخرى شابة وعالية جداً طلباً للستر والامان بعد ان سُمح للخوف الملثم بالتجوال في كل الدروب حتى تمادى اكثر فأكثر وصارت الناس تتهمنا بالعمالة له وتحذر من الحديث أمامنا بحرية " اشش الحيطان الها اذان "
٠ كنت قصيراً كغيري من الزملاء في ذلك الزقاق الفقير  لكنني لم ادخر جهدا في الحفاظ على ما في ذمتي من امانة ولطالما أغمضت عيني عن النظر الى ساقيّ كوثر الجميلتين وهي تغسلهما في حوض وحنفية ماء خلف جهتي الاخرى داخل البيت المكلف بستره وحفظ أسراره ٠
 شغل ذهني بكاء صديقي وتوديعه إياي في ذلك الظلام الدامس و بتلك الطريقة الحزينة بعد ان أعاد حقيبته الى كتفه وعدل قبعته السوداء التي يتوسطها نسر فضي واستدار عني متوجهاً نحو الشارع العام وانا ارقب طول قامته الفارعة المغطاة بكساء مرقّط ٠ غاب طويلاً ولم أحظى بأي ابتسامة منه او قُبلة حتى كدت أنساه لكن كوثر تذكرني به ولا زالت تذكرني كلما جائت لزيارة بيت اَهلها وغسلت ساقيها اللتين لم يعودا جميلتين كالسابق ٠٠ تذكرني بصديقي وهي تنادي على اكبر اطفالها بأسم من رسم على ثوبي زركشته التي غدت باهتة٠
- يتبع -


مذكرات حائط( الجزء الثاني)
مذكرات حائط
 الجزء الثاني
مضى صديقي الذي زركش ثوبي وانقطعت اخباره وتبدلت الكثير من الأشياء مُذ رحيله ٠٠ حتى ملابس الناس تبدلت هي الاخرى كنت اشاهد وأرقب المارة وهم يتبخترون بثيابهم منذ ان فتحت عيني وجئت الى الوجود على يدي الاسطة ابو قاسم ٠
 في طفولتي وصباي كان الشيوخ متمسكين بالدشداشة والعقال والكوفية وعباءات خفيفة واُخرى ثقيلة من الصوف اما الشباب فمعظمهم يرتدون قمصان ضيقة بياقات طويلة وبنطلونات ضيقة عند الخصر ثم تتوسع كلما نزلت قريبا من الاحذية ٠
 النساء الكبار كن في نسق واحد تقريباً ثوب وعباءة وشيلة يعلوها چرغد او عصابة سوداء اما الصبايا والشابات كن مثل كوثر الا ما ندر منهن ٠
 راقبت كوثر وغيرها من صبيات الحي وهن يدرجن في فناء الدار او خارجه في الزقاق بظفيرتين تنتهي بشرائط حمراء او بيضاء ودشاديش ونعل إسفنجي ابو الاصبع ،، او صدريات زرقاء وقمصان بيض وحقائب قطنية وأحذية من البلاستك ايام الدراسة ٠
تغير الكثير من ذلك وشهدت الكثير من الموضات والصرعات واختزنتها ذاكرتي الطابوقية٠
 لا أخفيكم سراً بأني حائط عينه مالحة يستمتع بالبصبصة وسماع ثرثرة الناس وحكايات عشقهم وأخطاءهم الضرورية ٠
 احببت حياتهم بكل تفاصيلها رغم حزنها المزمن ،، ملابسهم ، نكاتهم ، أفراحهم ، أعراسهم المجنونة وكيف يتحول الجميع فيها "صغارهم وكبارهم رجال ونساء" الى فرقة ام عليوي وهم يرقصون بمرح على أنغام صينية او قدر وطگ الاصبعتين ٠ ويشتعل العرس اكثر حين تحظر فرقة متخصصة ابطالها عادة من أولئك الشباب الضرفاء احفاد المرحوم بلال او المجرم وحشي ٠
 حين يحضرون بطبولهم ومرحهم وأجسادهم السمراء النحيفة يصبح رأسي مسرحاً للأطفال الصغار وظهري ملاذاً لنسوة صبغن وجوههن بكل ما عثرن عليه من مكياج ٠
 اما الشباب فيتجمهرون امامي في الزقاق وعلى صخب وإيقاع الدف والزنبور وتحت لهيب نظرة من احدى الفتيات المختبأات خلفي يتحولون الى شواذي يسكرهم الحب والتوق الى رضا صاحبة تلك العين الوكيحة التي اثار التصاقها بخاصرتي شيء من الدغدغة !
- يتبع -


مذكرات حائط( الجزء الثالث)


مذكرات حائط
الجزءالثالث
همهمة وحركة مشبوهة في ليلة بلا ضوء مرت على زقاقنا القديم مصدرها بيت مرحوم بداي ٠ميزت ذلك عبر الصوت فقط فأنا اسمع واحفظ الأصوات لان أصحابها ولدوا وانا اسمع صراخ امهاتهم وهن يستنجدن بعلي ابن ابي طالب لحظة ولادتهم ،،ومن ثم كبروا ولعبوا قربي السبع سيفونات او رسموا على وجهي دائرة كتبوا بداخلها رقمل ١٠١ ليضربني احد الصبيان بكرة مطاطية صغيرة وانا ارمش بعيني متجنباً رشقهم ٠في تلك الليلة المشبوهة التي اضطرب لها قلبي لم استطع مشاهدة كل شيء فطرف عيني اليسرى التي تطل على الدربونة كانت مغطاة بلافتة سوداء خطها الخطاط محمد الأعرج  تحمل نعي صاحب الدار التي انا جزء منها٠٠ كما ان هنالك بعض الزوالي والبسط الصوفية مشرورة فوقي وقد نسيتها سيدة البيت بعد ان كبرت وصارت تنسى كل شيء حتى اولادها اخوة كوثر الكبار الذين هاجر احدهم وابتلعت الحرب الاخر ٠
 لم يخب ظني وهاهم ستار وكريم اولاد المرحوم بداي ملثمين كي لا يعرفهم احد ( بس عليمن لو كل الدنيا ما تعرفهم اني أعرفهم ) ٠هؤلاءلطالما لعبوا قربي ولازال انفي يتذكر رائحة بولهم الكريه وهم يتعمدون التبول عليّ ورسم دوائر فوق وجهي ، كم تمنيت ان تكون لي يدين لاقتلعت خصيتيهم ولصرخت بهم روحوا بولوا وتغوطوا ببيت الخلفوكم يا ولد الكلب ٠
 اما هذه الليلة فقد تمنيت تلك الامنية بكل ما أوتيت من قوة حتى اني تذكرت النسوة الحوامل وهن يصرخن بأسم علي ذلك العبد الصالح الذي يقسم به جميع من في الزقاق٠
 تذكرت اسمه ورجوته ان يهبني يدين وانا اشاهد من كان يتبول على خدي وهما يسحلان جثة اختهما جميلة وهي مبتورة الكف٠ كانا يسحلانها ولا يزال في قدميها نعلين جميلين بلون بنفسجي ملطخ بالدم ٠
جميلة كانت احدى صديقات كوثر وان كانت تصغرها ببعض السنين ولطالما  لعبت قربي حين كانت طفلة ولامست ظفيرتيها بشريطهما المصنوع من بقايا ثوب عتيق ، فأغفر لأخويها القبيحين سوء فعلتهم المرحاضية٠
 لا زلت اذكر مجيئها لبيت كوثر وتحت ثوبها القديم المخاط من بقايا ثوب كبير يبدو انه كان احد ثياب امها او احدى زوجات عمها لانها تسكن في بيت صغيرتسكنه عائلة كبيرة جدا تتكون من أم واب وأخوة وأعمام وزوجاتهم واولادهم ٠
كانت تخبيء تحت ثوبها دفتر مدرسي فئة ال ٦٠٠ ورقة ادخرته من أيأم دراستها قبل ان يأمرها ابوها بترك المدرسة لانها أضخم من زميلاتها وانضج نهداً وأشهى ردفين وأجمل قدمين بأصابع كأنها نحتت على يدي نحات مغرم بأصابع الملائكة ٠
 دفترها مليء بالشعر الشعبي ومقاطع الأغاني وكلمات الحب الذي لم تحظ بشيء منه بعد زواجها بسعدون ابو جيفة ابن عمها الذي اشتهر بلقبه هذا بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف !!
 لتنفصل عنه بعد ولادة اول طفل لهما حين تعارضت او ركبها جني،، كما كان يقول ملا سوادي مومن المنطقة فالمرأة في مرحلة النفاس تكون عرضة لهجوم الجن والتابعة ولا يحصنها سوى احراز وشعوذة سوادي الذي عضته جميلة في احدى جلسات العلاج وقطعت أذنه بعد ان مد يده ليعالج ثدييها المسكونان بالجن الغير صالح !
 غادرها الجن بعد طلاقها وعملها فراشة في احد المدارس لتكون محط غيرة المعلمات العوانس وخرير لعاب المعلمين الوسماء ٠
 كريم وستار تركا جثة اختهما امامي بعد ان تأكد لهما ان جميلة ستنجب طفل اجمل منها حملت به سفاحاً في المدرسة التي طالما منعوها عن ارتيادها ٠
- يتبع -


مذكرات حائط( الجزء الاخير)
مذكرات حائط
الجزء الأخير
- عمي انتم من كل عقلكم امريكا تسقط صدام هههههه هييي يا الله ٠
 - زاير مذخور وحات عمك انه ليلية اكعد على الراديون واسمع اخبار لنده ومنتكارو وبهاي أذني سمعت بوش يگول وحگ هو العباس الا اسقط صديم ٠
 - اووووه بالله هسة احنه ما ملينا من هل اللتح وداعتكم هذا زليمتهم ما يسقطونه چا ما سقطوه بالواحد وتسعين ؟
 - خايبين شجاكم شني الطركاعة الطاحت على روسكم راح يوذن وذان الظهر كومولنا نروح للجامع نذكر الله وخلونا نترس ماي ونشتري طحينات خافنها صدك تصير حرب وفروخنا يكتلها الجوع واذا ذبوا علينا كيمياوي وهلكونا يسوون علينا فضل ٠
- هو انت شعندك سيد چاسب داخلين على بخت جدك ولد تلد ؟
 هو انت اولادك كلهم برا يم الانگريز ويودولك بهالدولارات الزينة انت بطرگ روحك ومرتك العلوية ٠چا مثل حالي عندي جرويط مال چناين وجهال ٠
- اخواني المؤمنين قال الله تعالى في كتابه الكريم واعتمصوا ولا تتفرقون صدق الله العظيم ٠٠٠ تدرون شنهي الاعتمصو ؟
الاعتماص هو كما ورد في التفاسير المعتبرة هو ان لا تتعاركون فيما بينكم ٠٠ اسمعوا مني اني اخوكم ملا سوادي ترا اني تعبان على روحي وخلصت حياتي بالعلم وخدمة الناس وكلكم تتذكرون الكحبة جميلة شلون عضتني وگطمت أذني لان كان راكبها جني يهودي ٠٠ هذول الامريكان يهود وصدام حتى لو ظالم بس مسلم واحنه لازم نصير وياه ضد هذول الچلاب الي راح يفسدون اخلاقنا ٠
- زاير كاظم متمتماً بصوت خفيض " أفتى بيها الفويسد "
- ملا سوادي ممتعضاً " شگلت ولَك يالكافر يالشيوعي انت وكل فروخك دمبگجية "٠
 - انچب ولدي مو دمبگجية وامشي من وجهي لا أرمل نسوانك الاربعة واخليهن ياخذن راحتهن ويلعبن يا ليل !
- امشي عليكم جدي محمد بسكم من هالمناحر وگومولنا صارت الصلاة ٠
 هذه هي الأحاديث والسجالات الدائرة بين شياب وكهول الدربونة الذين يفترشون الرصيف وهم يحتسون الشاي على بساط تهزلت أطرافه ٠ كل يوم يجتمعون بالقرب مني ويتكأون عليّ فأضطر لسماع نفس الأسطوانة المشروخة ٠ ليس هناك من حديث هذه الأيام غير احاديث الحرب والرفاق بثيابهم الزيتونية يملأون اكياس الطحين الفارغ بالتراب ليصنعوا منها السواتر داخل الأزقة والشوارع ٠
اشتعلت السماء بالنار وتصاعد الدخان ،، أزيز  الطائرات ودوي الصواريخ واهتزاز الارض راح يزلزلني فأنا الان عجوز تساقط عني اللبخ وتكاثرت الرقع على ثوبي الإسمنتي ولم تنفعني ثلاثة أوتاد من الحديد وضعتها العجوز ام كوثر خلف ظهري خشية ان اسقط عليهم بعد ان أصابني الوهن والامراض ونخرني العث وصرت مرتعا للصراصر التي تصر ليلاً لتزيد المشهد مزيدً من الوحشة ٠ اما أساسي فقد صار مسكناً للقوارض ومخبئاً لسرقاتها وحواسمها التي تنهبها من قوت وحاجات الناس المعدمة ٠
 قوارض بأحجام كبيرة وصغيرة بعضها بلحى وعمائم واُخرى حليقة بأربطة عنق وسخة تلتهم وتلتهم ولا تترك خلفها غير العفن والفراغ في أساسي الذي بناه الاسطة ابو قاسم ومساعده الصّباغ الشاب الذي حدثتكم عنه وانقطعت اخباره بعد ان ودعني متوجهاً الى المجهول وعلى كتفه حقيبة وفوق رأسه قبعة يتوسطها نسر فضي ، وفي نبضه وشرايينه كوثر ٠
 كوثر التي كبرت امام عيني وانا وإياها نتشارك سر حبها العفيف لذلك الشاب الصّباغ الذي وهبني ثوبي الابيض المزركش الذي طالما أحببته وتفاخرت به وكورت احدى كفي الوهميين وضربت بهما الكف المفتوحة الاخرى امام زملائي حيطان المنطقة " حنيصكم " ٠




حديدة
حديدة
ااااااااااافيش قالها وهو يتنفس بقوة بعض الأوكسجين الخالي من العفن ورائحة الاجساد العطنة بعد ان وطأت قدميه تبليط الشارع الموارب لباب السجن الكبير بعد ان أنهى مدة سجنه ٠ودعه السجان ابو عديلة ذلك السمين الطيب الذي شارف على التقاعد والذي طالما عامل الجميع بحب وأبوية ، تشاكسا للمرة الاخيرة: ولَك جوز من سوالفك وأبدي بداية جديدة٠
اي اسولفلك وَيَاه ابو الشباب هكذا اجاب شاكر حديدة مع ضحكة منتفخة وحركة من رأسه تعودها طيلة السنين الماضية٠
ادار ظهره ودلف في شارع فرعي قبل ان يستأجر تكسي نوع كرونة معوقين عائداً الى بيته٠
شعر بتعب شديد وثقل النعاس اجتاح جفنيه مع اول نفحة هواء بارد من فوهة تبريد التكسي لذا أعطى السائق العنوان الكامل وأوصاه ان يوقضه من غفوته حين الوصول٠
كان الراديو يوشوش بأخبار من إذاعة عالمية بعيده يتناوب فيها صوتين لرجل وامرأة في قراءة الأخبار ،، شعربدغدغة لذيذة وهو يستمع لصوت المذيعة فراح يتخيل شكلها وقوامها حتى شطح به الخيال اكثر فأكثر فأكثر !!
تذكر زميل الزنزانة حيدر سمينة البارع في تهريب الصور الاباحية عبر رشوته السجانين لتزويده بكل ما هو جديد وكلما ظفرت به لجان التفتيش ومع اول بوكس على انفه وجريان الدم منه ليغطي قرص وجهه يصرخ بهم :
لا تفهموني غلط هاي مجلات ثقافية اني رجال مثقف ودا اتعلَّم إنكليزي !
لينفجر كل من حوله بالضحك وينجو استاذ سمينة من تبعات ثقافته المحرمة فالأنثى في عالم ما قبل وبعد القضبان سر خطير من اسرار الدولة تصلح للتحرش الفج او الاحترام الصارم فقط فلا منطقة وسطى بين هذين البرزخين٠
ولَك كم مرة گتلك بطل من سالفة هاي الجرايد ام الصور مالت النسوان المصلخات : هكذا كان ينصحه شاكر حديدة وهو يَصْب الماء البارد على أنف زميله المثقف ووجهه المتورم ٠لم يكن منظر الدم غريبا او جديداً عليه و
كثيرة هي المعارك الدامية التي خاضها حديدة مع أشقياء السجن وأكثرها ضراوة يوم طعن حسين ابو عيون (شقاوة القاطع السجني الذي انفرد به سجناء أهل الثورة) عدة طعنات في الوجه والذراعين وكيف ثارت ثائرة أعضاء عصابته وجرح كبرياء اعتى مجموعة تكاد تتحكم في عالم ما خلف القضبان لكثرتهم وشراستهم وتكاتفهم تحت اسم وعنوان ابن ولايتي ٠
حاوطوه من كل جانب بقاماتهم وسواطيرهم وبكل ما عثروا عليه من أدوات جارحة لكن ثباته وهو يناكف عن نفسه بسيفه الصغير ( ام السبع طگات ) وكذلك فزعة قاطع سجناء أهل الناصرية بقيادة ماجد خروس ونائبه محمد صگبان خففت الوقع بعد ان صاح بهم خروس :
ها ولكم أهل الثورة شني هي ولية غمان ؟ أهل الثورة خوش زلم بس طلعوا مخانثة استولوا على زلمة وحداني٠
تلك الكلمات كان لها وقع البرق على إسماعهم فتراجعوا للخلف مطالبين بفتح حلبة منفردة للخصمين يتنازلان بها بعد ان ينسحب الحراس الذين هرعوا بهراواتهم لفك الاشتباك٠
لا زال صوت المذيعة يدغدغ خيال شاكر حديدة وهو مسترخ على كرسيه ، استدار بنظره ناحية نافذة السيارة وتحسس بقايا الجروح والندوب على يديه المليئتين بالوشوم والكلمات المطبوعة عليها بخط رديء ( امي الحنونة ،، سيف ذو الفقار وتحته مكتوب ياعلي أدركني ،، صقر يحمل بين مخلبيه أفعى تحاول الافلات ،، بيداء وسط قلب حب يشطره سهم وقطرات دم بلون ازرق ترشح منه ) ٠
اطال لمس بقايا جرح عميق فوق كفه الأيمن وهو ذكرى من حسين ابو عيون يوم تلاقى وأياه حسب الموعد المقرر الذي اقترحته لجنة فض النزاعات المُشكلة بأيعاز من ماجد خروس الذي تدخل مرة اخرى للوقوف بصف حسين حديدة حين لاحت له بعض إمارات عدم الالتزام التام من عيون وتصرفات البعض ببنود الاتفاق ملوحاً بساطوره وبصوت أجش وبكلمات يتعمد اخراجها من طرف فمه ليبقي الطرف الاخر مزموماً :
بعرضي بستر اخواتي الي يغش او يتدخل غير ابو عيون احرم عليه دخلة الحمام بشرفي اگطع خلفته بشخطة موس وقد اعذر من أنذر ٠
كانت الامور تنذر بمزيد من التأزم لكن ابو عيون حسم النزاع بعد جولة مناوشات خفيفة استطاع بها جرح خصمه حينها قال : هسة طايحة جوة الفراش يكفيني فخر الي دچچني زلمة صَل مثل حديدة وهو وحداني وماكو بظهرة احد ٠
انزل زجاج النافذة ونفخ متحسراً وهو يتذكر موت خروس في المحجر الانفرادي مع سجين اخر اسمه علي كردية اختناقاً بسبب الزحام الشديد وأصابتهم بمرض ذات الرئة ، تذكر كيف سحلوا جثتيهما المزرقتين وكأنهم يسحلون كيسين من النفايات وهم يضعون الكمامات على وجوههم وتذكر فرحة باقي السجناء لتوفر متسع صغير أضفاه موت زميليهما ٠
يا حيف والله ٠٠٠ التفت اليه سائق التكسي ظاناً ان الحديث موجه اليه :
- ها عمي ؟
- لا حجّي مو عليك اني متعود ادردم وحدي٠
انزل المرآة التي أمامه نظر الى وجهه الذي هاجمته التجاعيد وشعرتين او ثلاث فقط سوداء لا زالت تقاوم موج الشيب المتلاطم فوق شعر رأسه ولحيته بعد ان دخل السجن عام ١٩٩٠ وهو بشيبتين لا غير ٠
أغمض عينيه أمسك المقص الذي أكسبته سنين السجن مهارة كبيرة على استخدامه في طعن الخصوم وكذلك فصال القماش وخياطته بحرفية عالية ٠
رسم أنثاه على قماشة الخيال بحسب ما يشتهي طهر وعفة امه ، حلاوة صوت المذيعة ، وجمال وأنوثة المثقفات في مجلات زميله حيدر سمينة ٠لتنجب له اولاد كل منهم يحمل لقب حديدة
- عمي عمي وصلنا لبيتكم ٠
- رحم الله والديك حجّي ٠



النذر
النذر
طالت الحرب حتى ايقنت الناس انها بعد ان التهمت الكبار ستأتي على الصغار ٠ فالحرب في بلادي لها شهية لا تشبع تأكل وتأكل دون ان تسمن وكأنها مصابة بدودة وحيدة كما كانت تقول لنا جدتي حين نأكل غداءنا وماهي الا جولة او جولتين من لعب الطوبة او الركيضان او اعظيم الضايع حتى نعود لنسألها متى يحين العشاء ٠
 كانت الحرب تتلمظ ويسيل من شدقي فمها مرق اجسادنا وتنظف أسنانها الكريهة من بقايا لحومنا بعضمٍ صغير من بقايا عضامنا الذابلة في قدرها الكبير ٠
ولان الحرب لن تنتهي صارت الناس تتفنن في وعد الالهة والأولياء بشتى النذور ان هي تدخلت وأوقفتها او أقنعتها بالشبع ٠
 انبرت حبوبة كلثوم او چلثوم كما كن يسمينها زميلاتها عجائز المنطقة الى اطلاق مبادرة نذر لطيف بعض الشيء حتى انني تخيلت ان الملئكة الصغار ذوي الأجنحة البيضاء الذين يظهرون في صور القديسة العذراء مريم على شكل اطفال بأجنحة وأعضاء تناسلية صغيرة وهم يطيرون قرب وجهها وهي تحتضن يسوع الصغير ٠
حسبت انهم سيضحكون من نذر حبوبة چلثوم متخيلين جسدها المتخشب  وثدييها الذابلين وهي تمشي عارية في الدربونة كما نذرت هي ان توقفت الحرب عن الطبخ وكفأت قدرها وجفجيرها القذرين٠
 أطل المذيع برأسه الذي علاه بعض الشيب من شباك التلفاز معلناً بصوته الذي يخلب القلب ويصيب كبار السن بسلس البول لانه اعتاد على الصياح الله اكبر الللللله اكبر والنصر لنا والموت لاعدائنا ، كانت تلك الكليشة مقدمة نعرفها لهجوم اخر في ام الرصاص او الفاو او الشلامچة او نهر جاسم وهي تعني مزيد من مرق اللحم والعضام وهو يبقبق في قدر حربنا التي لا تنتهي ٠
هذه المرة صياح المذيع ينبأ بشيء اخر هو يتحدث عن نهاية تلك الحرب !!
 لم نتعود الثقة من تلفزيون الحكومة فهي تتحدث منذ ثمان سنوات عن انتصارات مؤزرة في كل المعارك ومع كل هجوم غير اننا نستيقض صباحاً على أسراب من التوابيت المغطاة بالإعلام وهي تعتلي قمارات سيارات الكوستر والكراون والبرازيلي وحتى البيك اب٠ أسراب من التوابيت يسبقها طائر الططوة الحزين وهو يبغگ فوق بيوتنا ودرابيننا الضيقة التي لا ينفع معها صياحنا كش كش سچينة وملح،، توابيت حزينة تبحث عن أبواب بيوتها التي طالما لعبت امام عتبتها لعبة الدعابل حتى ان الحفر الصغيرة المخصصة لهذه اللعبة لا تزال تنتظر صاحبها الذي يعتلي القمارة وهو يتحدى منافسيه الصغار وهو يصيح بهم ( نَگر )٠
 انتهت الحرب او هذا ما تدعيه الحكومة ومذيعها سيّء الفأل وصار لزاماً على حبوبة چلثوم ان تتعرى لسداد دين نذرها الغريب ٠ وفت بذلك للآلهة وضحكنا بصحبة الملائكة الصغار من جسدها الذي لم يتبق منه سوى الجلد والعظم وليس عليه سوى لباس داخلي ماركة حبيشي استعارته من بقايا تركة المرحوم زوجها زاير منخي والذي احتفظت به وفاءاً لما كان تحته يوماً ما !
لكن الالهة أعجبتها لعبة الحرب والطبيخ ونذور الأمهات الغريبة  ٠


الأسير
الأسير
كان المعسكرالذي وضعونا فيه قريباً من الحدود الشمالية
في منطقة باردة مقفرة٠
البعض منا صار واشياً لهم فتركوا له حرية الحركة داخل المعسكر وبعد فترة ألحقوهم بمعسكرات اخرى مختلفة تناهى الى أسماعنا انهم الان شبه احرار لا بل قيل لنا انهم تزوجوا من نساء تلك البلاد وأنجبوا الاطفال ٠٠ كنّا نتحلق حول بَعضنا محتضني البريمز الصغير مدثرين بالبطاطين لتدخين سيگارة في طقس جماعي لتبادل الحكايات او دندنة اغنية لداخل حسن بصوت خفيض جداً خشية ان يسمعنا الحراس فنأكل حصتنا من الضرب والتعذيب ،، لا أخفيكم ان تسعة وتسعون بالمئة من حكاياتنا كانت تدور حول الجنس وحسد رفاقنا الوشاة الذين أفلتوا من معسكرنا النائي لينعموا بنسوان كأنهن الجبن الفرنسي في بلاد الغربة القسرية تلك ٠
المحاضرات وبرامج التثقيف التي كنّا نتلقاها على ايدي الشيوخ ورجال الدين بعضها كان مقبولاً والآخر كان سيل من السباب والشتائم وتذكيرنا بأن نساءنا الان صارت من حصة المصريين الذين استقدمناهم لتنظيف المجاري وتبليط الشوارع ٠
حتى اني حلمت في احد كوابيسي المزمنة بأني متزوج ولي اطفال صاروا ينادون عبدو ابو الفلافل بكلمة بابا وهو يمسح رؤوسهم بلطف ويوصيهم بأن تطبخ له امهم الكوارع استعداداً ل ليلة ليلاء !!
كنت أفز من كابوسي مرتعباً ولا يغادرني الخوف الا حين يضحك زملائي وهم يقولون ( تزوج بالاول وبعدين خاف على مرتك ياخذها عبدو )٠
فكرت كثيراً بالتقرب الى المبشرين ورجال الدين عبر أطراءهم والتزلف لديهم والإشادة بسعة علمهم عسى ان يقبلوني وأكون محل ثقة واطمئنان لديهم فيرسلوني حيث المعسكرات المفتوحة التي تخفف فيها اجراءات الرقابة ٠ لكنني كنت اطرد تلك الفكرة الغبية من رأسي حين اتذكر سطوة السلطة ومخابراتها وبطشها بعائلتي وكل من يمت لي بصلة لو علمت بذلك ٠
مرت السنين باردة على عظامي وأشد برداً على روحي التي أوجعها الفراق وممارسة هواية اعتصار الذاكرة عسى ان تحظى بقطرة دفأ من بقايا حضن امي ٠ لا زلت أتذكر صوتها المرتجف يوم انتزعوني منها وانا مختبأ في تنورها الطيني وقد غطت فم التنور بصينية رشت فيها بعض الطحين وهي تدعي صنع الشنگ وتبسبس بدعاءها الأثير ( ها يفاطمة الزهرة اريده منج آمنت عليه ببطن تنورچ اريدچ تعمين عنه عيون الرفاق الحزبيين ) ٠
كانت تناجي وانا في تنور بلا نار سوى النار التي تشتعل في قلبينا انا وهي ،، فتشوا البيت وحين لم يجدوني صعدوا السطح وطلبوا منها بخبث گرصة خبز وحين أخبرتهم انها لم توقد النار بعد ناولوها الشخاطة٠ أوقدت عود الثقاب بيد ترتجف تركته يحترق للأخير حتى لسع اصبعها وانطفأ، أشعلت عود الثقاب الاخر وراحت تراقبه حتى إعوّج رأسه وتفحم وكأنه شبابنا الضائع في محارق الحرب والدمار٠
تناولوا الشخاطة منها وأزاحوا الصينية التي فوق رأسي وضحكوا من خطتها الغشيمة ومن خيبة اختبائي قبل ان يسمعوني موشحهم السخيف ( جبان خائن متخاذل هارب من خدمة العلم ) ثم انهالوا ضرباً على جسدي المكوَّر داخل التنور كأنه جسد طفل سبيعي تسحبه ايدي القابلة بعنف لكنه لا يريد مفارقة رحم امه٠
ها انا هنا يا اوغاد تف عليكم وعلى العلم ها انا أراقب الأفق المقفر كل يوم علني المح سيارة الصليب الأحمر وهي تأتيني بظرف يحوي رسالة تصلح للدفأ اكثر منها للقراءة ٠
ها انا حفظت وجوه السجانين وأتقنت لغتهم وصارت متعتي الادعاء بأنني لا افهمها كي استمتع بالفشار في ما بينهم وهم يتشهون ويغازلون عجيزة احدى ممرضات المفرزة الطبية في المعسكر،، ومن ثم ابتزهم بأنني سوف اخبرها بكلامهم البذيء للحصول على السكائر او السماح لي وزملائي بالصعود على سطح المعسكر حين تمر قطعان الغنم لنرقص على دندنة الأجراس التي وضعها الرعاة حول رقابها ٠
يتدخل رجل الدين الكريه ويزجر الحرس :
آنها اجازة نمي دهد بي انجام اين كار٠
فيجيبه الحرس الخائف من الابتزاز :
اجازة دهيد آنها را ضعيف٠
( - لا تسمح لهم فعل ذلك
- دعهم انهم مساكين )




الوصيفة
الوصيفة
بمجرد ما وضعت الغطاء ‏على وجهي لائذاً من برد تلك
 الليلة حتى هجم عليّ طيف صبرية العجوز او صبرية الوصيفة المسودنة كما كان يناديها كل من هم في عمري آنذاك وهم يرشقونها ببقايا الطماطة التالفة في سوقنا القديم ٠
كنت حباباً الى حدٍ ما كما أعربت  لي امي عن ذلك اكثر من مرة لكنني لم أكن حباب الى الدرجة التي تمكني من منعهم عن رشقها بالطماطة والسخرية منها لانها تختلف عنهم في لون بشرتها رغم انها كانت نظيفة ويفوح منها عطر ماركة الريحة ام السودان وتعتلي رأسها عباءة وتحتها عصابه يعتلي احد اطرافها چِلاب ذهبي٠
 لا ينقص أناقتها غير إدمانها على الخروج من البيت وهي حافية ،، لا زلت اذكر كفيّ قدميها السمراوين الموشومين بخطوط زرقاء وقد تجعدتا بفعل الزمن ٠
طردت طيفها من خيالي محاولاً النوم استعداداً لحلم بلا وجع قلب ٠٠٠استدرت على جنبي الأيمن طالعتني ابتسامتها بعينين صغيرتين مكحلتين وشفتين افريقيتين غليظتين وهما يدردمان بكلمات لم أكن أفهمها او حتى اسمعها كعادتها حين تتعرض للاستهزاء وصياح الصبيان قليلي الأدب ٠
 لا تأبه بأحد ولا تؤذي احد تهيم على وجهها ولا ترجع الى بيت ابنها ابو جمعة جارنا المصنوع من جمال غابات افريقيا وطبيعتها الساحرة رغم سواد بشرته المعتم ،، تعود الى البيت بعد ان يضنيها التعب وتقرص معدتها قرصات الجوع فتكتفي برصاعة مصنوعة من طحين الرز وطاسة روبة ، لتغط بعدها بنوم عميق وتحلم بأيام صباها حين كانت فتاة صغيرة بشعر مكنكر وبرطمين مكتنزين تساعد امها كنس مضيف الشيخ وإعداد العجين وغسل قدمي سيدتها الشيخة البضتين المزينتين بالحناء والخلاخيل وتحمل الاطفال على خاصرتها اليمنى وهي منخسفة ومعوجة الى جهة اليسار ليجد ذلك الطفل المحمول راحته فوق سرج خاصرتها النحيف٠
 كانت عبدة قانعة الحلوى الوحيدة التي كانت تحصل عليها هي بقايا القهوة الباردة المتبقية في دلة والدها گهوچي المحفوظ بعد عودته في وقت متأخر بعد ان ينطمر رب البيت وينزوي في احد غرف زوجاته الأربع او في غرفة الصلاة حين يكون بمزاج يشتهي فيه طعم اللحم الأسمر منادياً احدى الوصيفات " تعاي ولچ جيبيلي اللگن والأبريج اريد اتوضأ " !!
 ماتت صبرية الوصيفة منذ زمن طويل ونصبوا لها چادر الفاتحة وترنم المقريء عبدالباسط عبدالصمد بلذيذ صوته مقتفياً اثر الوحي ليجمع ما سقط من ريش جناحه شديد البياض لينفخه في وجوه المعزين بأبيضهم واسودهم وهم يحتسون قهوة عزاءها او حلواها المحببة ٠
كنت احدهم وكان لي حصة صغيرة في قعر الفنجان لذا يهاجمني طيف صبرية  وانا لا زلت ذلك الحباب الذي لا طاقة له على كف أقراني الادبسزية عن رشقها بقراءة سورة الفاتحة بعد ان كبروا وكبرت كروشهم وهم يجلسون قبالتي لتأدية واجب العزاء ٠




الكسلان
الكسلان
هذا هو لقبه في كل المراحل الدراسية حتى انه اعتاد على الوقوف قرب سلة المهملات فيما يعرف بالقصاص في ايام الدراسة الابتدائية ٠
 ساقط في كل الدروس عدا درس الرسم لكن ذلك لم يشفع له في تجنب اهزوجة زملائه وإخوته " كسولي لولي " ٠
 اعتاد على ان يناديه الناس بالكسلان او الفاشل وتقبل ذلك كأمر واقع ،، كره المدرسة رغم ولهه بمدرسة الفنية ورسمه إياها في كل كراساته بشتى الأوضاع مرة رسمها متخيلاً انها عارية من حجابها وبلوزتها وتنورتها الطويلة واُخرى رسمها وهي ترضع طفلاً صغير يلتهم ثديها بنهم ٠
 مدرسة الرسم او التربية الفنية كانت ركنه الذي يلجأ اليه في الخيال كلما حاصرته اوجاع الاحتقار ونظرات الاستهزاء والخيبة التي كانت تلتهمه من الجميع ٠
في احد الليالي عكف على صناعة تمثال من الطين الذي جمعه من ساحة قطاع ٣٣٣ في مدينته الثورة ليكون ذلك العمل الفني هو سبوبة الطلاق بالثلاث بينه وبين المدرسة عازماً في قرارة نفسه على تحمل الضرب بالحزام الذي سيتلقاه من والده إسطه ابراهيم الخلفة ٠
 كان تمثاله عارياً لأمرأة منقبة تفنن في إظهار مفاتنها ودقة تفاصيل كل شيء فيها ! لكي يشارك به في احدى المسابقات في مديرية التربية التي سيحظرها ضيوف من الوزن الثقيل ٠
 كان تمثاله محط اهتمام الجميع حقداً واعجاباً حتى ان السيدة العجوز الشقراء بعينيها الخضراوين ورطينها باللغة الانكليزية اجبرت السيد مدير التربية الذي يرتدي خاتمين ازرقين في يده اليمنى على ابداء سعادته بذلك العمل الفني المبهر رغم تصبب العرق من جبينه ولحيته الكثة وكأنه لم يتمتع بعشرات الموظفات وهن في نفس العري الذي جسده تمثال الكسلان ٠
 كان رطين السيدة الانكليزية وعلى ذمة الأخ المترجم عبارة عن إعجاب منقطع النظير وعرض بمنحة دراسية في احدى أكاديميات لندن ٠
 اخيراً توجه الكسلان نحو أوربا وصار حديث الصحف ومانشيتاتها العريضة " فتى سومري جاء ليتحدى دافينشي " لم يعد كسولي لولي وحزام الاسطة ابراهيم صار رسائل شوق وافتخار بولده الناجح رافع راس العشيرة !
كل العواصم صارت مجرد دمغات وأختام في جواز سفره العراقي وهي ترحب  بإبداعه ولوحاته التي اضافت ركناً جديد ومدرسة اخرى من مدراس الفنون التشكيلية حتى ان سعاد مدرسة الفنية صارت محط اهتمام الفضائيات وفي كل حلقة يستضيفها برنامج أبواب ومحمد غازي الاخرس لتكون ضيف الشرف كنموذج لرعاية الشباب وتنمية طاقاتهم٠
 لم يقلق الكسلان شيء ويقض مضجعه لا شهرة ولا أموال ولا حسد رفاق الصبى ولا عشق سعاد التي استعاض عن خيالها العاري بواقع مليء بالشقراوات اللواتي يستمتعن بملط كل ما عليهن في حظرت نحاتنا العظيم ٠٠
 لم يقلقه شيء سوى صوت امه وهي توقظه من النوم ولَك اگعد ابوك يگول اليوم عدنا صب والخباطة عاطلة أگعد يمة لا يضوج ابوك ويجي ينزع جلدك !



بنغلاديشي


بنغلاديشي
النداء الأخير للمسافر فلان بن فلان التوجه الى مدخل البوابة رقم ١٢٦ ٠٠٠ في الرحلة المتوجهة الى الدولة الكذائية من على الخطوط الجوية العراقية ٠٠
وش وششش بققق بببق وششش وش 
ذلك هو صوت ماسحتي ومكنستي التي انظف بها ارض المطار وحماماته،، لطالما وجدت خاتماً منسياً او مسبحة او قلم احمر شفاه نسيته مسافرة ما وهي تصلح مكياجها ،، وغيرها من الحاجيات حتى صار عندي ارشيف كبير سأخذه معي الى الوطن٠
دموع وداعات واُخرى للقاءات وعودة احباب وهمهمة كلمات لم افهم منها شيء في بداية عملي هنا ٠زغاريد وهلاهل العجائز كانت تشدني في مواسم الحج حين يعود الحجيج من مكة فأقترب منهن وهن يقذفن الحلوى بكرم بالغ لأستعين به على تحلية ريقي الذي تعود ابتلاع المرارة٠
شاب مهموم كان يقلب الطرف في ارجاء المطار باحثاً عن مكان ليسرح فيه ويذرف دمعة بعيدا عن الأنظار وعرفت من خلال غريزتي وخبرتي المتواضعة انه بحاجة للتدخين اشرت له بيدي للمكان الذي خصصته ادارة المطار ،، تبسم لي بمشقة وناولني خمسة الاف دينار أسرعت في دسها الى جيبي خشية ان يراني احد ٠
عاهرات وعفيفات ،،ضاحكين ومعبسين ،، أغنياء وفقراء ،، رياضيين ومعوقين ،، لصوص وغير لصوص ،، بدلات رسمية أنيقة وأربطة عنق ودشاديش بيضاء وأغطية رأس مختلفة مرة تكون كوفيات بيضاء او حمراء او سوداء ومرة عمائم بلونين فقط كل ذلك يمر من امامي يومياً٠
يسافرون الى شتى الجهات ويقدمون من شتى الأصقاع وانا أمارس هوايتي التي لا اجيد غيرها وهو تحريك الماسحة والاستماع الى بقبقة الماء تحتها حتى صرت اتقن وافهم ما يقال من حولي لكنني بقيت على خرسي القديم وأكلم الناس بالاشارة فقط ٠
انتم طيبون أيها السادة وبلادكم جميلة وبغدادكم اجمل لكنني اسمع انينها الموجع كل ليلة ٠٠ نسيت ان اخبركم بأنني بنغالي ( سديق ) ولم اخرج معكم في اي تظاهرة !!
انا عازم على الرحيل بمجرد ان أتدبر توفير مبلغ شراء بقرة يدر حليبها لأطفالي هناك حيث وطني الفقير وسأتذكركم حين اقلب أرشيفي الذي جمعته من حمامات مطاركم والاشياء التي ضاعت فيه٠


0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
Design by Wordpress Theme | Bloggerized by Free Blogger Templates | coupon codes الاعلامي وسام ابو الليل الفريجي